فصل: تفسير الآيات (67- 70):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (67- 70):

{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70)}
{وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر} هو من القضاء والقدر، وإنما تعدى بإلى لأنه ضمن معنى أوحينا وقيل: معناه أعلمناه بذلك الأمر {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ} هذا تفسير لذلك الأمر، ودابر القوم أصلهم، والإشارة إلى قوم لوط {مُّصْبِحِينَ} في الموضعين أي إذا أصبحوا ودخلوا في الصباح {وَجَآءَ أَهْلُ المدينة يَسْتَبْشِرُونَ} المدينة هي سدوم، واستبشار أهلها بالأضياف، طمعاً أن ينالوا منهم الفاحشة {قَالُواْ أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالمين} كانوا قد نهوه أن يضيف أحداً.

.تفسير الآيات (71- 76):

{قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76)}
{قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي} دعاهم إلى تزويج بناته ليقي بذلك أضيافه {لَعَمْرُكَ} قسم والعمر الحياة، ففي ذلك كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم، أن الله أقسم بحياته، أو قيل: هو من قول الملائكة للوط، وارتفاعه بالابتداء وخبره محذوف تقديره: لعمرك قسمي واللام للتوطئة {إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} الضمير لقوم لوط، وسكرتهم: ضلالهم وجهلهم، ويعمهون: أي يتحيرون {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} أي صيحة جبريل وهي أخذه لهم {مُشْرِقِينَ} أي داخلين في الشروق وهو وقت بزوغ الشمس، وقد تقدم تفسير ما بعد هذا من قصتهم في [هود: 76] {لِلْمُتَوَسِّمِينَ} أي للمتفرسين، ومنه فراسة المؤمن، وقيل: للمعتبرين، وحقيقة التوسم النظر إلى السيمة {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} أي بطريق ثابت يراه الناس والضمير للمدينة المهلكة.

.تفسير الآيات (77- 79):

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)}
{وَإِن كَانَ أصحاب الأيكة لظالمين} أصحاب الأيكة قوم شعيب والأيكة الغيضة من الشجر لما كفروا أضرمها الله عليهم ناراً {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} الضمير في إنهما قيل: إنه لمدينة قوم لوط وقوم شعيب، فالإمام على هذا: الطريق أي إنهما بطريق واضح يراه الناس، وقيل: الضمير للوط وشعيب، أي إنهما على طريق من الشرع واضح والأول أظهر.

.تفسير الآيات (80- 85):

{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)}
{أصحاب الحجر} هم ثمود قوم صالح، الحجر واديهم هو بين المدينة والشام {المرسلين} ذكره بالجمع وإنما كذبوا واحداً منهم، وفي ذلك تأويلان أحدهما أن من كذب واحداً من الأنبياء لزمه تكذيب الجميع؛ لأنهم جاءوا بأمر متفق من التوحيد، والثاني: أنه أراد الجنس كقولك: فلان يركب الخيل، وإن لم يركب إلا فرساً واحداً {وآتيناهم آياتنا} يعني الناقة، وما كان فيها من العجائب {وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً} النحت: النقر بالمعاويل وشبهها من الحجر والعود وشبهه ذلك وكانوا ينقرون بيوتهم في الجبال {ءَامِنِينَ} يعني آمنين من تهدم بيوتهم لوثاقتها، وقيل: آمنين من عذاب الله {إِلاَّ بالحق} يعني أنها لم تخلق عبثاً.
{فاصفح الصفح الجميل} قيل: إن الصفح الجميل هو الذي ليس معه عقاب ولا عتاب، وفي الآية مهادنة للكفار منسوخة بالسيف.

.تفسير الآية رقم (87):

{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)}
{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني} يعني: أم القرآن لأنها سبع آيات، وقيل: يعني السور السبع الطوال، وهي البقرة وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال مع براءة، والأول أرجح لوروده في الحديث، والمثاني: مشتق من التثنية وهي التكرير، لأن الفاتحة تكرر قراءتها في الصلاة، ولأن غيرها من السور تكرر فيها القصص وغيرها، وقيل: هي مشتقة من الثناء، لأن فيها ثناء على الله، ومن يحتمل أن تكون للتبعيض أو لبيان الجنس، وعطف القرآن على السبع المثاني؛ لأنه يعني ما سواها من القرآن فهو عموم بعد الخصوص.

.تفسير الآيات (88- 90):

{لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90)}
{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} أي لا تنظر إلى ما متعناهم به في الدنيا كأنه يقول: قد آتيناك السبع المثاني والقرآن العظيم، فلا تنظر إلى الدنيا، فإن الذي أعطيناك أعظم منها {أزواجا مِّنْهُمْ} يعني أصنافاً من الكفار {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي لا تتأسف لكفرهم {واخفض جَنَاحَكَ} أي تواضع ولِنْ {لِلْمُؤْمِنِينَ} والجناح هنا استعارة {كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين} الكاف من كما متعلقة بقوله: أنا النذير أي أنذر قريشاً عذاباً مثل العذاب الذي أنزل على المقتسمين، وقيل: متعلق بقوله: ولقد آتيناك أي أنزلنا عليك كتاباً كما أنزلنا على المقتسمين، واختلف في المقتسمين، فقيل: هم أهل الكتاب الذين آمنوا ببعض كتابهم وكفروا ببعضه، فاقتسموا إلى قسمين، وقيل: هم قريش اقتسموا أبواب مكة في الموسم، فوقف كل واحد منهم على باب، يقول أحدهم: هو شاعر، ويقول الآخر: هو ساحر، وغير ذلك.

.تفسير الآيات (91- 93):

{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)}
{الذين جَعَلُواْ القرآن عِضِينَ} أي أجزاء، وقالوا فيه أقوالاً مختلفة وواحد عضين عضة وقيل: هو من العَضْة وهو السحر، والعاضِه الساحر، والمعنى على هذا أنه سحر، والكلمة محذوفة اللام ولامها على القول الأول واو وعلى الثاني هاء {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} إن قيل: كيف يجمع بين هذا وبين قوله فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان؟ فالجواب أن السؤال المثبت هو على: وجه الحساب والتوبيخ، وأن السؤال المنفي هو: على وجه الاستفهام المحض لأن الله يعلم الأعمال فلا يحتاج إلى السؤال عنها.

.تفسير الآيات (94- 99):

{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)}
{فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} أي صرح به وأنفذه {إِنَّا كفيناك المستهزئين} يعني قوماً من أهل مكة؛ أهلكهم الله بأنواع الهلاك من غير سعي النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا خمسة: الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، والأسود بن عبد المطلب، والأسود بن عبد يغوث وعدي بن قيس، وقصة هلاكهم مذكورة في السير، وقيل: الذين قتلوا ببدر كأبي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وغيرهم، والأول أرجح، لأن الله كفاه إياهم بمكة قبل الهجرة {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتأنيس {حتى يَأْتِيَكَ اليقين} أي الموت.

.سورة النحل:

.تفسير الآيات (1- 4):

{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)}
{أتى أَمْرُ الله} قيل: النصر على الكفار، وقيل: عذاب الكفار في الدنيا، ووضع الماضي موضع المستقبل لتحقق وقوع الأمر ولقربه، وروي أنها لما نزلت وثب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً فلما قال: فلا تستعجلوه سكن {يُنَزِّلُ الملائكة بالروح} أي بالنبوة وقيل بالوحي {خَلَقَ الإنسان مِن نُّطْفَةٍ} أي من نطفة المني، والمراد جنس الإنسان {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} فيه وجهان أحدهما: أن معناه متكلم يخاصم عن نفسه، والثاني: يخاصم في ربه ودينه، وهذا في الكفار، والأول أعم.

.تفسير الآيات (5- 8):

{وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)}
{لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} أي ما يتدفأ به، يعني ما يتخذ من جلود الأنعام وأصوافها من الثياب، ويحتمل أن يكون قوله: لكم متعلق بما قبله أو بما بعده ويختلف الوقوف باختلاف ذلك {ومنافع} يعني شرب ألبانها، والحرث بها وغير ذلك {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} يحتمل أن يريد بالمنافع ما عدا الأكل فيكون الأكل أمراً زائداً عليها، أو يريد بالمنافع الأكل وغيره، ثم جرد ذكر الأكل لأنه أعظم المنافع {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} الجمال حسن المنظر، وحين تريحون يعني حين تردونها بالعشي إلى المنازل، وحين تسرحون حين تردونها بالغداة إلى الرعي، وإنما قدم تريحون على تسرحون، لأن جمال الأنعام بالعشي أكثر لأنها ترجع وبطونها ملأى وضروعها حافلة {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} يعني الأمتعة وغيرها وقيل: أجساد بني آدم {إلى بَلَدٍ} أي إلى أي بلد توجهتم، وقيل: يعني مكة {بِشِقِّ الأنفس} أي بمشقة {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} استدل بعض الناس به على تحريم أكل الخيل والبغال والحمير، لكونه علل خلقتها بالركوب والزينة دون الأكل، ونصب زينة على أنه مفعول من أجله، وهو معطوف على موضع لتركبوها {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} عبارة على العموم أي أن مخلوقات الله لا يحيط البشر بعلمها، وكل ما ذكر في هذه الآية شيئاً مخصوصاً فهو على وجه المثال.

.تفسير الآيات (9- 10):

{وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)}
{وعلى الله قَصْدُ السبيل} أي على الله تقويم طريق الهدى، بنصب الأدلة وبعث الرسل والمراد بالسبيل هنا: الجنس، ومعنى القصد الموصل، وإضافته إلى السبيل من إضافة الصفة إلى الموصوف {وَمِنْهَا جَآئِرٌ} الضمير في منها يعود على السبيل إذ المراد به: الجنس ومعنى الجائر: الخارج عن الصواب: أي ومن الطريق جائر كطريق اليهود والنصارى وغيرهم {مَآءً لَّكُم} يحتمل أن يتعلق لكم بأنزل أو يكون في موضع خبر لشراب، أو صفة لسماء {وَمِنْهُ شَجَرٌ} يعني ما ينبت بالمطر من الشجر {فِيهِ تُسِيمُونَ} أي ترعون أنعامكم.

.تفسير الآيات (13- 14):

{وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)}
{وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرض} يعني الحيوان والأشجار والثمار وغير ذلك {مُخْتَلِفاً ألوانه} أي أصنافه وأشكاله {لَحْماً طَرِيّاً} يعني الحوت {حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} يعني الجواهر والمرجان {مَوَاخِرَ فِيهِ} جمع ماخرة يقال: مخرت السفينة، والمخر: شق الماء، وقيل: صوت جري الفلك بالرياح {وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} يعني في التجارة وهو معطوف على لتأكلوا.

.تفسير الآيات (15- 16):

{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)}
{وألقى فِي الأرض رواسي أَن تَمِيدَ بِكُمْ} الرواسي الجبال، واللفظ مشتق من رسا إذا ثبت، وأن تميد في موضع مفعول من أجله، والمعنى أنه ألقى الجبال في الأرض لئلا تميد الأرض؛ وروي أنه لما خلق الله الأرض جعلت تميد فقالت الملائكة: لا يستقر على ظهر هذه أحد، فأصبحت وقد أرسيت بالجبال {وأنهارا} قال ابن عطية: أنهاراً منصوب بفعل مضمر تقديره: وجعل أو خلق أنهاراً قال: وإجماعهم على إضمار هذا الفعل دليل على أن ألقى أخص من جعل وخلق: ولو كانت ألقى بمعنى خلق: لم يحتج إلى هذا الإضمار {وَسُبُلاً} يعني الطرق {وعلامات} يعني ما يستدل به على الطرق من الجبال والمناهل وغير ذلك، وهو معطوف على أنهاراً وسبلاً قال ابن عطية: هو نصب على المصدر أي لعلكم تعتبرون، وعلامات أي عبرة وأعلاماً {وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ} يعني الاهتداء بالليل في الطرق، والنجم هنا جنس، وقيل: المراد الثريا والفرقدان، فإن قيل: قوله وبالنجم هم يهتدون؛ فمن المراد بهم؟ فالجواب أنه أراد قريشاً لأنهم؛ كان لهم في الاهتداء بالنجم في سيرهم علم لم يكن لغيرهم، وكان الاعتبار ألزم لهم فخصصوا، قال ذلك الزمخشري.

.تفسير الآيات (17- 18):

{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)}
{أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} تقرير يقتضي الردّ على من عبد غير الله، وإنما عبّر عنهم بمن لأن فيهم من يعقل ومن لا يعقل، أو مشاكلة لقوله: أفمن يخلق {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَآ} ذكر من أول السورة إلى هنا أنواعاً من مخلوقاته تعالى على وجه الاستدلال بها على وحدانيته، ولذلك أعقبها بقوله: {أَفَمَن يَخْلُقُ}، وفيها أيضاً تعداد لنعمه على خلقه، ولذلك أعقبها بقوله: وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها، ثم أعقب ذلك بقوله: {إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}: أي يغفر لكم التقصير في شكر نعمه.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)}
{والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} نفى عن الأصنام صفات الربوبية، وأثبت لهم أضدادها، وهي أنهم مخلوقون غير خالقين، وغير أحياء، وغير عالمين بوقت البعث، فلما قام البرهان على بطلان ربوبيتهم أثبت الربوبية لله وحده فقال: إلهكم إله واحد.

.تفسير الآيات (21- 23):

{أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)}
{أموات غَيْرُ أَحْيَآءٍ} أي لم تكن لهم حياة قط ولا تكون، وذلك أغرق في موتها ممن تقدّمت له حياة ثم مات، ثم يعقب موته حياة {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} الضمير في يشعرون: للأصنام وفي: يبعثون للكفار الذين عبدوهم، وقيل: إن الضميرين للكفار {قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ} أي تنكر وحدانية الله عز وجل {لاَ جَرَمَ} أي لابد ولا شك، وقيل إن لا نفي لما تقدم، وجرم معناه وجب، أو حق، وأن فاعله بجرم.